2014-08-14 00:00:00
alqabas

السعودية: صراع الحضارات يعني أيضاً صراع الثقافات الاستثمارية

السعودية: صراع الحضارات يعني أيضاً صراع الثقافات الاستثمارية

  • أخبار اقتصادية
  • الرياض، دبي - رويترز - عندما خسر محمد العتيبي ذو السبعين عاما أكثر من ثلاثة ملايين ريال (800 ألف دولار) بعد انهيار سوق الأسهم السعودي في 2006 تلاشت أحلامه في المكسب السريع لكن ولعه بالتداول لم يتأثر وتجددت آماله ثانية مع خطط فتح السوق أمام الأجانب للاستثمار المباشر.

    يجلس العتيبي على أريكة في قاعة للتداول ببنك الاستثمار «فالكم» يتابع شاشة تعرض السباق المحموم لأسعار الأسهم في جلسة يوم شديد الحرارة وتبحث عيناه عن شيء واحد فقط: طلبات الشراء أو البيع القوية ليروي ظمأه لتحقيق مكاسب سريعة.

    لكنه لا يجد ضالته في الأسهم القيادية بالسوق كأسهم البنوك والبتروكيماويات كونها منخفضة التذبذب ولا توفر له الربح المأمول فيركز على أسهم أخرى رخيصة في قطاعات مثل الأسمنت والزراعة والعقارات.

    يقول العتيبي «أنا اشتغل فوري.. يومان .. ثلاثة.. أسبوع أو 15 يوما.. أراقب حركة السوق ولما أشوف طلبات كثيرة على السهم أدخل فيه ولو حقق معي شيء اطلع».

    «أنا أخذها كمهنة أو كعمل بدل ما أجلس في بيتي آجي هنا استثمر أكسب لي 200 ريال 400 أو 500.. تجيب اللي تجيبه وامشي خاصة أن رأسمالي القديم راح من 2006 والعوض على الله».

    وتعني نشاطات العتيبي ومثله من آلاف المستثمرين في سوق الأسهم السعودي أن على المستثمرين الأجانب التكيف مع ما يبدو صراعا بين الثقافات الاستثمارية عند دخول البورصة في النصف الأول من 2015 بموجب خطة أعلنتها هيئة السوق المالية الشهر الماضي.

    وسوق الأسهم السعودي - الذي تتجاوز قيمته السوقية 580 مليار دولار - أحدث الأسواق الكبرى التي تعلن خططا لدخول الأجانب وهو ما يجذب اهتمام العديد من مديري المحافظ في العالم لكنهم سيواجهون مناخا للتداول غير معتاد وربما يكون التأقلم معه أمرا صعبا.

    وبحسب تقرير لهيئة السوق المالي صدر في مارس الماضي بلغ عدد المستثمرين الأفراد في السوق 4.3 ملايين مستثمر بنهاية 2013 بلغت قيمة حيازاتهم من الأسهم نحو 608 مليارات ريال.

    وبلغ عدد المحافظ الاستثمارية للأفراد 7.75 ملايين محفظة وهو ما يشير إلى امتلاك الكثير من الأفراد لأكثر من محفظة واحدة. ورغم أن ملكية الأفراد لا تتجاوز 35 في المئة من إجمالي الملكية في السوق فإنهم يسيطرون على أكثر من 90 في المئة من قيم التداول اليومية.

    وفي الأسواق الناشئة الأخرى يسيطر الأفراد على نحو ثلثي أو نصف قيم التداول اليومية فيما تقل تلك النسبة كثيرا في الأسواق المتطورة وهو ما يعكس التطور البطيء لنشاط إدارة الصناديق في المملكة.

    وبخلاف المؤسسات الاستثمارية يميل المستثمرون الأفراد من أمثال العتيبي إلى الاستثمار قصير الأجل بحثا عن المكسب السريع فيتخلون عن الأسهم عندما تظهر عليها بوادر الضعف ويتخذون قراراتهم الاستثمارية بناء على عناوين الأخبار والإشاعات وحركة الأسعار وليس بناء على التقييم طويل الأجل الذي يفضله مديرو الصناديق.

    وحتى الأفراد الذين يتبنون خطط الاستثمار طويل الأجل لا تخلو محافظهم من أسهم المضاربة. ويقول ناصر الخميسي وهو موظف حكومي «أركز على الشركات اللي فيها نمو مثل التجزئة وشركات الرعاية الصحية والإنشاءات لكن لا بد من الاستثمار في البتروكيماويات لأنها شيء مهم للاستثمار طويل الأجل».

    وخلال متابعته لقناة تلفزيونية تنقل أخبارا اقتصادية يصف الخميسي كيف يستثمر أمواله فيقول «في شيء ادخل واطلع وفي شيء استثمار يختلف (الأمر) من سهم لسهم.. أقسم المحفظة لثلاثة اقسام، استثمار طويل الأجل ومضاربة سريعة ليوم واحد ومضاربة 15 – 20 يوما».

     

    مخاطر

    قد تشكل أنماط الاستثمار تلك مخاطر أمام المستثمرين الأجانب، أولها سعي بعض المستثمرين المحليين لرفع أسعار أسهم لمستويات غير قابلة للاستدامة خلال الأشهر القليلة المقبلة ترقبا لدخول المال الأجنبي، وهو ما قد يحد من الربحية التي ترغبها الصناديق العالمية.

    وهناك مخاطر أخرى تكمن في احتمال أن تختلف تقييمات الأسهم السعودية بشكل دائم عن المستويات التي يعتقد الأجانب أنها مناسبة. فابتعاد مستثمرين أفراد عن الأسهم القيادية التي يفضلها المستثمرون الأجانب قد يعني انخفاض تقييماتها.

    يقول علي الناصر مدير صندوق هورايزون الشرق الأوشط وشمال افريقيا التابع لمجموعة دويت غروب في دبي «الاستثمار في السوق قصير المدى والكثير من الناس يستثمرون على أساس أشياء ليس لها أي قيمة أساسية اقتصادية».

    ويشير إلى أن 90 في المئة من المتعاملين بالسوق ربما لا ينظرون لمدى أبعد من عام ونصف العام، فيما يتعلق بالأرباح المستقبلية للشركات، بينما تهتم المؤسسات بمدى أطول يصل الى خمس سنوات أو أكثر.

    ويضيف «إذا خفضت شركة توزيعاتها النقدية لتوفير سيولة لاستثمارها في فرصة واعدة سيتخلص مستثمر الأجل القصير من السهم فيما قد نرى نحن ذلك علامة إيجابية».

    ويرى الناصر أن الفجوة بين المفاهيم الاستثمارية للأفراد والشركات ربما تنحسر على المدى الطويل، لكن الأمر قد يستغرق بضع سنوات.

     

    أسعار مبالغ فيها

    في الوقت الراهن لا يستطيع الأجانب شراء الأسهم السعودية إلا من خلال اتفاقات مبادلة تنفذها بنوك استثمار عالمية أو عن طريق عدد صغير من صناديق المؤشرات وهو خيار مكلف.

    وبحسب تقرير هيئة السوق المالية بلغت ملكية المستثمرين الأجانب عبر اتفاقات المبادلة 1.24 في المئة من إجمالي ملكية المستثمرين في السوق بنهاية 2013.

    وهناك فرص هائلة لارتفاع تلك النسبة مع فتح السوق للأجانب، لا سيما في حال إضافة السعودية لمؤشرات الاسواق العالمية كمؤشر إم. إس. سي. آي. ويقدر مديرو صناديق أن تجذب البورصة سيولة تتجاوز 50 مليار دولار من الخارج خلال السنوات المقبلة.

    لكن فرص الصفقات الجذابة قد تقل عند دخول الأجانب السوق فقد قفز المؤشر السعودي بالفعل أكثر من ثمانية في المئة منذ إعلان خطط فتح السوق في 22 يوليو.

    وقبل رفع تصنيف أسواق الإمارات وقطر إلى مرتبة الأسواق الناشئة على مؤشر ام.إس.سي.آي في مايو الماضي شهدت أسعار الأسهم ارتفاعا كبيرا هناك مع شراء قوي من المستثمرين المحليين، لكن سرعان ما هبطت الأسعار بعد رفع التصنيف وامتناع الأجانب عن الشراء بأسعار مبالغ فيها.

    ويقول روبرت باركر من كريدي سويس في لندن عن السوق السعودية «لديك سوق ذات أسعار مبالغ فيها بعض الشيء لأن كل اللاعبين المحليين قرروا الدخول قبل الأجانب. لم تعد سوقا رخيصة».

    ويؤيده مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال بقوله «السعوديون رفعوا أسعار البنوك والبتروكيماويات بعد خطط فتح السوق للأجانب بناء على عوامل أساسية... ولعلمهم أن أسعار تلك الأسهم كانت مقومة بأقل من قيمتها».

    ويقول أبو فيصل الذي يستثمر في السوق السعودي منذ 2005 «السوق مقبل على طفرة. أركز على البتروكيماويات والآن بجمع وبشتري والأسعار رخيصة.. سأظل أجمع ولن أبيع».

    ويرى الحسن قصوص خبير أسواق المال في الرياض أن السوق سيظل في اتجاهه الصاعد بدعم من خطط دخول الأجانب بالإضافة إلى طروح أولية مرتقبة خلال أشهر لشركات كبرى، منها البنك الأهلي التجاري أكبر مصرف سعودي من حيث قيمة الأصول.

    من جانبه، يقول هشام تفاحة مدير المحافظ الاستثمارية في الرياض إن مضاعف ربحية السوق الآن يتراوح بين 21 و22 مرة، وإن هناك فرصاً لأن يصل إلى 23 - 24 مرة، ويصعد المؤشر إلى 11000 نقطة خلال أشهر.

    ويوضح سهم شركة الحمادي للاستثمار التي تمتلك مستشفيات في الرياض، والتي أدرجت أسهمها في السوق في يوليو كيف يمكن للمتعاملين الأفراد رفع سعر السهم لمستويات عالية. فقد بلغ سعر السهم هذا الأسبوع 101.25 ريال مقارنة مع سعر الطرح البالغ 28 ريالا.

    ومن المرجح أن تكون أسهم الرعاية الصحية جذابة للمستثمرين الأجانب بدعم من الإنفاق الحكومي لتلبية الطلب على الرعاية الصحية في ظل النمو السكاني المتسارع وارتفاع دخل الفرد.

    من ناحية أخرى، قد يجعل عزوف المتعاملين الأفراد عن الأسهم القيادية - كأسهم البتروكيماويات والبنوك - أسعارها جذابة للأجانب، لكنه قد يؤدي إلى تراجع الأسعار على المدى الطويل.

    ووفقا لبيانات تومسون رويترز قفز سهم سابك %4 منذ إعلان خطط فتح السوق للأجانب لكن لا يزال يجري تداوله عند مضاعف ربحية 13 مرة، وهو ما يقل كثيرا عن مضاعف ربحية يبلغ 15 مرة للمنافس الأميركي داو كيميكال.

     

    التكيف قد يكون صعباً

    يقول محللون إن المستثمرين الأجانب عليهم التكيف مع مصاعب قد يواجهونها في سوق يحذو فيها كثير من المتعاملين الأفراد حذو بعضهم في قراراتهم الاستثمارية وفق الموجة السائدة بالسوق، وهو ما يسبب تقلبات قوية لاسيما في الأسهم الصغيرة.

    ويقول قصوص «تجد ذلك على نطاق واسع على الأغلب في أسهم المضاربة».

    ومن بين الاختلافات الأخرى الاستثمار وفقا لآراء علماء الدين، حيث يسعى متعاملون لاستشارة العلماء قبل قرار الاستثمار في الشركات التي تطرح أسهمها في السوق.

    وعلى مدى السنوات الماضية أفتى علماء بارزون، منهم الشيخ محمد بن سعود العصيمي والشيخ عبدالعزيز الفوزان بتحريم الاكتتاب في أسهم شركات كبرى مثل المملكة القابضة المملوكة للملياردير الأمير الوليد بن طلال، وذلك بسبب أنشطتها في مجال الإعلام والسياحة وشركة كيان للبتروكيماويات التابعة لسابك، بسبب احتواء قوائمها المالية على «قروض ربوية».

    ولفت هشام تفاحة إلى اختلاف الشفافية عن الأسواق الأخرى بقوله «أحيانا تكون الشفافية موجودة، لكنها غير مكتملة، فقد تعلن شركة ما عن توقيع عقد بملايين الريالات لتنفيذ خطط توسع لكنها لا تتطرق في الإعلان إلى كيفية تأثير ذلك على الأرباح والإيرادات بصورة دقيقة».

    لكن برغم ذلك أكد كل من تفاحة والسديري أن السوق «يتمتع بانضباطية عالية مقارنة بأسواق المنطقة».

    وعلى مدى العامين الماضيين فرضت هيئة السوق المالية غرامات بعشرات الملايين من الريالات على مستثمرين خالفوا قواعد التداول، وعلى شركات بسبب إفصاحات غير ملائمة.

     

    الاستثمار المؤسسي

    تسعى السلطات السعودية من خلال خطط فتح السوق للأجانب إلى زيادة المستوى الإجمالي للاستثمار المؤسسي في سوق الأسهم لتقيم الشركات بطرق مشابهة لما يحدث في الأسواق المتطورة. لكن يرى محللون أن تلك الخطوة ربما تستغرق بضعة أعوام، إذ يشير مازن السديري إلى أن الصناديق تتسم بطابع استثماري لا يوفر التذبذب الجاذب للمتعاملين الأفراد، مضيفا أن ارتفاع مستويات الثروة بين الشباب وزيادة فرص العمل في القطاع الخاص تعني دخول مزيد من الأفراد إلى السوق.

    ويقدر تركي فدعق رئيس الأبحاث والمشورة لدى البلاد للاستثمار الفترة اللازمة لتحول ميزان القوة لمصلحة المؤسسات الاستثمارية بنحو 3 - 5 أعوام.

    ويوافقه الحسن قصوص الرأي بقوله إنه مع دخول الأجانب للسوق لن تتغير طبيعة التداول على الفور، لكن ما سيتغير هو سعيهم للضغط على الشركات لتطوير معايير الشفافية والحوكمة.

    ويضيف «أعتقد أنه بمرور الوقت، ومع دخول المزيد من الأجانب إلى السوق سيشهد زيادة في الاستثمار المؤسسي.. لكن كي نشعر بذلك التأثير أعتقد أن الأمر قد يستغرق ثلاث إلى خمس سنوات».

    كلمات دلالية:  السوق الأجانب raquo الأسهم laquo قد الأفراد الاستثمار

    تعليقات القراء

     (عدد المشاركات 0)

    أضف تعليقك

    الاسم (*)

    البريد الإلكتروني


    التعليقات على المواد مسموحة على أن تلتزم بما يلي :

    • أن لا تمس حرية المعتقد و الأديان السماوية
    • ألا تحتوي على أي عبارات تهديد أو شتم أو تحقير الآخرين